يا نبتا صالحا يخرج من أرض أسري إليها خاتم الأنبياء
يا كل نفس أبية و روح زكية سارت في موكب الشهداء
عذرا .. لسنا مثلكم، و لسنا في قدركم، و لسنا سواء
وددت أن أنقل إليكم ما تقر به أعينكم من إخوان لكم أشقاء
فلم أجد منهم ما يطيب لكم، أو ما تجدون فيه تثبيتا و عزاء
عذرا.. سأتل عليكم جواب المعذرون على النداء
يقول المعذرون
لسنا سواء .. فأطفالكم رجال و نسائكم رجال، ورجالنا أطفال ونساء
لسنا سواء .. فمفردكم جمع و صمتكم سمع، و جمعنا صفر و صوتنا خواء
لسنا سواء .. فضعفكم قوة ، و ضعفنا هوان وهواننا فناء
لسنا سواء .. فاختلافكم رحمة ، و خلافنا تطاحن وعداء
لسنا سواء .. فكلامكم جهاد يزلزل، و كلامنا طنطنة و رغاء
لسنا سواء .. فأنتم أهل حرب وضرب، و نحن حاصل قسمة – و هكذا حال الفرقاء
هل أدلكم علي حالة واحدة تساوينا فيها معكم و تماثلنا فأصبحنا سواء ؟
أجساد شهدائكم بفعل البارود تناثرت – و نحن بلا بارود حطام و أشلاء
عذراً .. لا نستطيع بحث قضيتكم الآن – فمازلنا نتباحث حول داحس و الغبراء
عذراً .. لم يأت دور قضيتكم بعد – فأمامنا بكائية صخر و أخته الخنساء
عذراً .. فلن نقرب قضيتكم – حتى ترجع براقش إلى أهلها و تعود البسوس إلى الصحراء
عذراً .. لا نستطيع الاقتراب من قضيتكم – فهي لنا كالغول أو هي العنقاء
يا أبنائنا أنكم تواجهون طوفاناً فلا تلومونا إن وضعناكم تحت أرجلنا – فهكذا قال الحكماء
يا أبناءنا لا تطلبوا منا التجمع من أجلكم – فكيف تلتئم بعد تمزقها الأجزاء
فأذهبوا انتم رجالاً و نساءاً فقاتلوا، و اتركوا لنا مهمة النواح والبكاء
و لا تسألونا دعاءاً – فلسنا أهلاً له، و أنتم أطهر من أن تطلبوا من أمثالنا الدعاء
أذهبوا و لنضرع نحن للسيد في البيت الأسود نقدم له قرباًناً و نتقوس له انحناء
لقد فرح المخلفون من قبل و قالوا لن ننفر في الحر – و رضوا بمقعدهم مع الخوالف الأشقياء
و اليوم لا تجدهم ينفرون في حر و لا برد – و لا في أي من الأجواء
و جاء المعذرون منهم ليقولوا: شغلتنا نساءنا و كنوزنا و مستقبل الأبناء
فلا تبتئسوا من فرح المخلفين و مجيء المعذرين، ففرحهم مذلة و مجيئهم شقاء
و لا تبتغوا النصرة منهم – فلن يقوموا من قعودهم و لو افترش مضاجعهم الأعداء
لا تبتغوا النصرة ممن سفهوا – فانبطحوا و انسحقوا، و تناثروا في الهواء
فلتتركوهم في غفوتهم السرمدية يًغُطّون نوماً – متدثرين – لا ترفعوا عنهم الغطاء
فلتتركوهم في سراويلهم المخملية – متسربلين – فستنزع عنهم يوم يعم البلاء
فلتتركوهم ليناموا بعجزهم – ملتحفين – فلا نامت أعين الجبناء
و ليرفلوا في ثوب الخمول بعقول مُغَيَّبةٍ – أموات – يظنون أنهم أحياء
لا تبتغوا النصرة منهم
فمنهم من يبتغي عَرَض
و منهم من في نفسه غَرَض
و منهم من في قلبه مَرَض .. و داء
قصيدة المعذرون كتبها الدكتور جمال سلامة عام 2002 أثناء الانتفاضة الثانية التي ظلت مستمرة ومتصاعدة منذ اقتحام شارون ساحة المسجد الاقصى في سبتمبر 2000، وهي فترة شهدت تصاعد المقاومة والعمليات الاستشهادية، وتصاعد القمع الاسرائيلي, وشهدت أيضا حصار الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات (أبو عمار) في رام الله.