هوامش على دفتر النكسة
أنعي لكم يا أصدقائي: اللغة القديمة، والكتب القديمة.
أنعي لكم.. كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة.
ومفردات العهر، والهجاء، والشتيمة.
أنعي لكم.. نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة.
مالحةٌ في فمنا القصائد..
مالحةٌ ضفائر النساء والليل، والأستار والمقاعد.
مالحةٌ أمامنا الأشياء يا وطني الحزين.
حولتني بلحظة من شاعرٍ يكتب الحب والحنين .. لشاعرٍ يكتب بالسكين.
لأن ما نحسه أكبر من أوراقنا.. لا بد أن نخجل من أشعارنا.
إذا خسرنا الحرب لا غرابة..
لأننا ندخلها بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة.
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة.
لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة.
السر في مأساتنا أن صراخنا أضخم من أصواتنا..
وسيفنا أطول من قاماتنا.
خلاصة القضية توجز في عبارة:
لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية.
بالناي والمزمار لا يحدث انتصار.
كلفنا ارتجالنا خمسين ألف خيمةٍ جديدة.
لا تلعنوا السماء إذا تخلت عنكم.. لا تلعنوا الظروف.
فالله يؤتي النصر من يشاء .. وليس حداداً لديكم يصنع السيوف.
يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباح.. يوجعني أن أسمع النباح.
ما دخل اليهود من حدودنا.. وإنما.. تسربوا كالنمل من عيوبنا.
خمسة آلاف سنة ونحن في السرداب ..
ذقوننا طويلةٌ، نقودنا مجهولةٌ، عيوننا مرافئ للذباب.
يا أصدقائي:
جربوا أن تكسروا الأبواب..
أن تغسلوا أفكاركم، وتغسلوا الأثواب.
يا أصدقائي:
جربوا أن تقرؤوا كتاب، أن تكتبوا كتاب..
أن تزرعوا الحروف والرمان والأعناب..
أن تبحروا إلى بلاد الثلج والضباب..
فالناس يجهلونكم في خارج السرداب..
الناس يحسبونكم نوعاً من الذئاب.
جلودنا ميتة الإحساس..
أرواحنا تشكو من الإفلاس..
أيامنا تدور بين الزار والشطرنج والنعاس.
هل نحن “خير أمةٍ قد أخرجت للناس” ؟.
كان بوسع نفطنا الدافق بالصحاري .. أن يستحيل خنجراً من لهبٍ ونار.
لكنه واخجلة الأشراف من قريشٍ، وخجلة الأحرار من أوسٍ ومن نزار .. يراق تحت أرجل الجواري.
نركض في الشوارع.. نحمل تحت إبطنا الحبالا.
نمارس السحل بلا تبصرٍ.. نحطم الزجاج والأقفالا.
نمدح كالضفادع..
نشتم كالضفادع..
نجعل من أقزامنا أبطالا..
نجعل من أشرافنا أندالا..
نرتجل البطولة ارتجالا..
نقعد في الجوامع تنابلاً كسالى.
نشطر الأبيات أو نؤلف الأمثالا..
ونشحذ النصر على عدونا من عنده تعالى.
لو أحدٌ يمنحني الأمان.. لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان..
لقلت له: يا سيدي السلطان ..
كلابك المفترسات مزقت ردائي ..
ومخبروك دائماً ورائي..
عيونهم ورائي..
أنوفهم ورائي..
أقدامهم ورائي..
كالقدر المحتوم، كالقضاء.
يستجوبون زوجتي ويكتبون عندهم أسماء أصدقائي.